انه الرجل الذي خرج خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قتله أو أسره وهو في طريق الهجرة، ليحظى برضى قريش وجائزتها، سراقة رضي الله عنه، وها هو سراقة يحكي قصة مطاردته للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر.. قال سراقة رضي الله عنه: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً الى المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم. قال: فبينما أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا، فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا عليّ آنفاً، اني لأراهم محمداً وأصحابه. قال: فأومأت اليه بعيني: ان اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم. قال: لعله، ثم سكت. قال: ثم مكثت قليلاً، ثم قمت فدخلت بيتي ثم أمرت بفرسي فقيد لي الى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي، فأخرج لي من دبر حجرتي ثم أخذت قداحي التي استقسم بها ثم انطلقت فلبست لأمتي ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره “لا يضره”.
دخان كالإعصار
قال: وكنت أرجو ان أرده على قريش فآخذ المائة ناقة. قال: فركبت على أثره، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره “لا يضره”، قال: فأبيت إلا ان اتبعه. قال: فركبت في أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه، قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره “لا يضره”، قال: فأبيت إلا ان اتبعه، فركبت في أثره. فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار قال: فعرفت حين رأيت ذلك انه قد مُنع مني، وانه ظاهر. قال: فناديت القوم، فقلت: أنا سراقة بن جُعشم، انظروني أكلمكم، فواله لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: “قل له: وما تبتغي منا؟”، قال: فقال لي ذلك أبوبكر، قال: قلت: تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك. قال صلى الله عليه وسلم: “اكتب له يا أبابكر”. قال: فكتب لي في رقعة ثم ألقاها إليّ فأخذتها فجعلتها في كنانتي ثم رجعت، فسكت ولم أذكر شيئاً مما كان.
ثم كتم سراقة خبر رسول الله ومكانه عن قريش حتى بلغ رسول الله المدينة فلما سمع أبوجهل بخبر سراقة مع النبي صلى الله عليه وسلم لامه على ذلك فقال سراقة يجيبه على ملامته:
أبا حكم، والله لو كنت شاهدا
لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمداً
رسول ببرهانٍ، فمن ذا يقاومه؟!
بشارة النبي
وبعد سنوات يشاء الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ليعود الى مكة فاتحاً ظافراً، ثم يأتيه أهلها يرجون الرأفة والعفو فيقول ينبوع الحنان ومعين الرحمة: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، عند ذلك أسرع سراقة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه، ومعه العهد الذي كتبه له قبل عشر سنوات.